الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{مَهْمَا} اسمُ شرطٍ يجزم فعلين كإنْ هذا قولُ جمهور النُّحَاةِ، وقد تأتي للاستفهام وهو قليلٌ جدًّا.كقوله: [الرجز]
يريد: ما لي اللِّيلة مالي؟ والهاءُ للسَّكت.وزعم بعض النُّحاة أنَّ الجازمةَ تأتي ظرف زمان؛ وأنشد: [الطويل] وقول الآخر: [الكامل] وقول الآخر: [الكامل] قال: ف {مَهْمَا} هنا ظرف زمان، والجمهور على خلافه، وما ذكره متأوّل، بل بعضُهُ لا يظهر فيه للظَّرفية معنى، وشنَّع الزمخشري على القائل بذلك.فقال: وهذه الكلمة في عداد الكلمات الَّتي يُحَرِّفُهَا مَنْ لا يدّ له في علم العربية، فيضعها في غير موضعها ويحسب {مَهْمَا} بمعنى متى ما.ويقولُ: مَهْمَا جئتني أعطيتك، وهذا من كلامِهِ، وليس من واضع العربية، ثم يذهبُ فيفسِّر: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} [الأعراف: 132] بمعنى الوقت، فَيُلْحد في آيات اللَّهِ، وهو لا يشعر، وهذا وأمثاله مِمَّا يُوجب الجُثُوَّ بين يدي النَّاظر في كتاب سيبويه.قال شهابُ الدِّين: هو معذورٌ في كونها بمعنى الوقت، فإن ذلك قولٌ ضعيفٌ، لم يَقُلْ به إلاَّ الطَّائفة الشَّاذَّةُ.وقد قال جمال الدِّين بْنُ مالكٍ: جميع النَّحويين يقول إنَّ مَهْمَا ومَا مثل مَنْ في لزوم التَّجرُّدِ عن الظَّرف، مع أنَّ استعمالها ظرفين ثابتٌ في أشعار فصحاء العرب.وأنشد بعض الأبْياتِ المتقدمة.وكفى بقوله جميع النَّحويين دليلًا على ضَعْف القول بظرفيتهما.وهي اسمٌ لا حرفٌ، بدليل عَوْد الضَّمير عليها، ولا يعودُ الضَّمير على حرف؛ لقوله: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} فالهاءُ في {بِهِ} تعود على {مَهْمَا} وشَذَّ السُّهيليُّ فزعم أنَّهم قد تأتي حرفًا.واختلف النَّحويون في {مَهْمَا} هل هي بسيطة أو مركبة؟ والقَائِلُونَ بتركيبها اختلفوا: فمنهم مَنْ قال: هي مركبة مِنْ مَا مَا كُرِّرَتْ ما الشَّرطيَّة توكيدًا، فاستثقل توالي لفظين فأبْدِلَت ألف ما الأولى هاء.وقيل: زيدت ما على ما الشَّرطية، كما يُزَادُ على إنْ ما في قوله: {فَإمَّا يَأتينَّكُم}.فَعُمِلَ العمل المذكور للثقل الحاصل، وهذا قولُ الخليل وأتباعه من أهل البصرة.وقال قَوْمٌ: هي مركبة من مَهْ التي هي اسم فعلٍ بمعنى الزَّجْر، ومَا الشَّرطيَّة ثم رُكِّبت الكلمتان فصارا شَيْئًا واحدًا.وقال بعضهم: لا تركيب فيها هنا، بل كأنَّهُم قالوا له مَهْ، ثم قالوا: {مَا تَأْتِنَا بِهِ} ويُعْزَى هذان الاحتمالان للكسائيِّ.قال شهابُ الدِّين: وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ ذلك قد يأتي في موضع لا زَجْرَ فيه، ولأنَّ كتابتها متصلة ينفي كون كلٍّ منهما كلمةً مستقلة.وقال قومٌ: إنَّهَا مركَّبةً من مَهْ بمعنى اكفف ومَن الشَّرطيَّةِ؛ بدليل قول الشاعر: [الطويل] فأبْدِلَتْ نونُ مَنْ ألفًا كما تبدل النُّونُ الخفيفة بعد فتحة، والتَّنوين ألفًا، وهذا ليس بشيء بل مَهْ على بابها من كونها بمعنى: اكْفُفْ، ثم قال: مَنْ يستمعُ.وقال قوم: بل هي مركَّبة مِنْ مَنْ ومَا فأبدلت نونُ مَنْ هاءً، كما أبدلوا من ألف ما الأولى هاءً، وذلك لمؤاخاة مَنْ ما في أشياء، وإن افترقَا في شيء واحد، ذكره مكيٌّ.ومَحَلُّهَا نصبٌ أو رفعٌ، فالرَّفعُ على الابتداء وما بعده الخبر، وفيه الخلافُ المشهورُ هل الخبرُ فعلُ الشَّرْط أو فعلُ الجزاء أو هما معًا؟ والنَّصْبُ من وجهين:أظهرهما: على الاشتغال ويُقَدَّرُ الفعلُ متأخرًا عن اسم الشَّرْطِ، والتقديرُ: مَهْمَا تُخْضِر تَأتِنَا، ف {تَأتِنَا} مُفَسِّرة لتُحَضر، لأنَّهُ من معناه.والثاني: النصبُ على الظرفية عند مَنْ يَرَى ذلك، وقد تقدَّم الرَّدُّ على هذا القول، والضَّميرانِ من قوله: {بِهِ} و{بِهَا} عائدان على {مَهْمَا}، عاد الأوَّلُ على اللَّفظ، والثاني المعنى، فإنَّ معناها الآية المذكورة، ومثله قول زُهَيْرٍ: [الطويل] ومثله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] فأعَادَ الضَّمير على ما مؤنثًا، لأنَّهَا بمعنى الآية.وقوله: {فَمَا نَحْنُ} يجوز أن تكون ما حجازيةً أو تميميةً والباءُ زائدةٌ على كلا القولين، والجملةُ جوابُ الشَّرْطِ فمحلّها جزم. اهـ.
|